لماذا نذهب “فارغة” في مناسبات معينة؟

ديب لاب

ديب لاب

Moderator
مشـــرف
17 ديسمبر 2023
1,579
6
36
لقد حدث لنا جميعًا في مرحلة ما أننا، لسبب ما، ندرك ذلك لبضع ثوان أو دقائق نحن غير قادرين على التفكير في شيء محدد أو أن نتذكر تلك العناصر التي نبحث عنها في أرشيف ذاكرتنا، مهما كانت أساسية.

على سبيل المثال، عند التحدث أمام الجمهور، قد يحدث أننا لا نكون قادرين حتى على تذكر الرسالة الأساسية التي نريد إيصالها، ناهيك عن سطور النص التي أعددناها. ويمكن أن يحدث أيضًا في سياقات أكثر تقليدية. على سبيل المثال، عندما نترك في اجتماع للأصدقاء دون أي فكرة عما نقوله، حتى لو كان ما تم الحديث عنه موضوعًا من السهل نسبيًا إبداء الرأي فيه.

تُعرف هذه الظاهرة باسم “الفراغ الفارغ”، ولها تفسير والذي يتعلق بطريقة ارتباط الذاكرة بحالات نفسية معينة.

تفسير ظاهرة الفراغ​


أول شيء يجب أن نأخذه في الاعتبار لفهم سبب كوننا فارغين في بعض الأحيان هو أن كل نشاطنا العقلي، حتى في جوانبه الأكثر أهمية، له علاقة بذكرياتنا.

الذاكرة ليست مجرد مستودع يقوم فيه رجل صغير يدير عمل دماغنا بتجميع المعلومات ذات الصلة. يتم التعبير عن كل ما نحن عليه ونفعله من خلال أفعالنا لأننا في الماضي استوعبنا جميع أنواع التجارب. لا يمكن تصور عقل خال تماما من الذاكرةلأن كل ما يحدث في دماغنا له علاقة بالبصمة التي تركتها تجارب الماضي في دماغنا.

باختصار، الذكريات ليست مجرد تلك الأجزاء من المعلومات التي نحتفظ بها من التجارب التي حدثت لنا، ولا البيانات التي نسعى جاهدين لحفظها. الذاكرة هي الطريقة التي تجعلنا بها الرائحة نشعر بالسوء لأننا نربطها بشيء حدث لنا منذ سنوات مضت، وكذلك إنها الطريقة التي تعلمنا بها ربط أفكار معينة ببعضها البعض، مما يسمح لأفكارنا بالتدفق دون بذل جهود كبيرة.

إن ترك الذاكرة فارغة هو علامة على أن ذاكرتنا تعاني من أزمة صغيرة في عملها الأساسي. لسبب ما، أصبح جزء كبير من ذاكرتنا بعيدًا عن متناولنا مؤقتًا، مما يجعل التفكير يصل إلى طريق مسدود لفترة من الوقت.

دور التوتر في استعادة الذاكرة​


في بعض الأحيان تظهر لحظات نصبح فيها فارغين قد يكون بسبب عيوب في أجزاء الدماغ المسؤولة عن استرجاع الذكريات. على سبيل المثال، أحد الأعراض الرئيسية للخرف هو ضعف استعادة الذكريات.

ومع ذلك، فإن هذه الظاهرة نفسها (بكثافة وتكرار أقل) هي أيضًا طبيعية في الأدمغة السليمة تمامًا. في هذه الحالات، يلعب التوتر دورًا مهمًا للغاية. عندما نمر بلحظات من القلق، فإن العديد من العمليات العقلية التي تحكم عمل الدماغ تتغير بشكل كامل.

قد يبدو القلق شيئًا صغيرًا إذا فسرناه على أنه شعور مزعج فقط، ولكن وهو في الواقع مصحوب بتفاعل كيميائي عصبي متسلسل مما يؤثر على الجهاز العصبي بأكمله وإفراز الهرمونات التي تستهدف الأعضاء المختلفة في جسمنا. وبطبيعة الحال، يؤثر القلق أيضًا على الذاكرة.

على وجه التحديد، عندما نشعر بالتوتر، فإن أجزاء من الجسم تعرف باسم الغدد الكظرية (لأنها تقع فوق الكلى) تبدأ بإفراز مجموعة متنوعة من الهرمونات المعروفة باسم الجلايكورتيكويدات. هذه المواد الكيميائية ليست مسؤولة فقط عن عدم قدرتنا على تذكر ما حدث لنا في اللحظات التي كنا نعاني فيها من إجهاد حاد للغاية (مثل حادث دراجة نارية)؛ بجانب، يقلل بشكل كبير من قدرتنا على الوصول إلى الذكريات التي قمنا بتخزينها بالفعل والتي كان من الممكن أن نتذكرها قبل دقائق قليلة فقط.

تأثير الجلايكورتيكويدات على الحصين​


عندما نبدأ في الشعور بالتوتر، كما هو الحال قبل الامتحان، يدخل نظامنا العصبي في حالة من اليقظة المرتبطة بالمواقف الخطيرة. وهذا يعني أن جسدنا يصبح بمثابة إنذار يتفاعل مع علامات الخطر التي كان من الممكن تجاهلها في سياقات أخرى لأنها كانت غير مهمة، أي، يتم توجيه تنشيط الدماغ نحو تلقي المحفزات الخارجية.

يسمح لك هذا بالبدء في التمجاناك بسرعة لتجنب الضرر، ولكن لهذا فإنك تدفع ثمن عدم تخصيص الكثير من الموارد للتفكير أو التفكير بطريقة إبداعية بسيطة، وهو ما هو ضروري لصياغة جمل مفصلة بشكل معتدل.

في هذه الحالات، تتداخل الجلوكورتيكويدات تمامًا مع عمل الحصين، وهو جزء من الدماغ معروف بأنه دليل الذكريات التي يمكن التعبير عنها لفظيًا (الذاكرة التقريرية). وطالما أن مستويات هذا الهرمون مرتفعة، فإن الحصين سيواجه المزيد من الصعوبات طبيعي عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى الذكريات والارتباطات بين المفاهيم المستفادة من خلال التجربة.

بجانب، ولا تختفي آثار الجلايكورتيكويدات تمامًا كما يختفي التوتر الحاد. تستمر مستوياتها لفترة طويلة، وإذا عانينا من الإجهاد المزمن، فلن تنخفض مستوياتها تمامًا تقريبًا، مما يعني أننا سنواجه حالات انقطاع التيار الكهربائي هذه بشكل متكرر. ولهذا السبب فإن اللحظات التي نصبح فيها فارغين لا تحدث فقط عندما نشعر بالتوتر الشديد؛ وقد تكون جزءًا من عواقب الشعور بالقلق بشكل مستمر.